سعاد والـ net
تقول سعاد ..
قبيل الاختبارات النهائية لمرحلتي الدراسية الحالية .. بذلت جهدا لم ابذله من قبل .. ليس طمعا في النجاح حقا أو من أجل تعليم نفسي .. بل لما سأحصل عليه بعد النجاح وتحقيق الامتياز .. ( إنها هدية النجاح ) ..
كل هذا من أجل الحصول على هدية النجاح التي طال انتظارها وبذلت أياما من عمري في سهر وإنهاك من اجلها .. وأتعبت والدي بكثرة طلبها منه والإلحاح عليه فيها .. فوعدني بها بعد الامتياز في اختباراتي النهائية لهذا العام ..
كنت استمع لصديقاتي .. وهن يفتخرن بحصولهن على جهاز محمول .. أنيق .. ذو قدرات عالية .. يقضين معه أغلب الأوقات في سياحة غريبة عجيبة .. ورحلات خيالية في عالم مجهول .. عالم الانترنت .. جذبني والله حديثهن عنها .. وقضاء الوقت الثمين فيها .. كنت أتمنى أن أكون في ذلك العالم ...
أصررت على أن أصارح والدي برغبتي في محمول يساعدني في دراستي وقضاء وقت فراغي .. فقال : طلبك ممكن بعد أن تلبي طلبي .. اجتهدي وتميزي و أبشري بالمحمول ..
صرخت فرحا بذلك .. وسعيت بجد و اجتهاد لم أكن أفعله من قبل .. إلى تلبية طلب والدي لعلي أنال طلبي ..
وتمر الأيام تلو الأيام وحياتي في انتظار .. وتقترب أحلامي من الحقيقة .. وتنشر النتائج وكلي هم وحزن ألا أنال ما يريده والدي فاحرم من هدية النجاح ..
لم استطع أن أصف سعادتي عندما وضع اسمي من الأوائل الخمس على صفي .. واستلمت شهادتي وفيها امتيازي ..
خرجت من المدرسة احملها لوالدي بسرعة .. وأنا اردد عليه .. هيا يا والدي .. المحمول .. المحمول .. فيقول : دعيني أرى .. وإذا بعلامات الفرح والسرور تعلو محياه .. ويقول : ابشري بالمحمول .. هيا لأشتريه لك .. لن نرجع للبيت إلا به ان شاء الله..
لم أتمالك نفسي من الفرح .. فقبلت رأس أبي .. وانطلقت السيارة بنا إلى مبيعات المحمول .. واشترى أبي ما أريده حسب ذوقي واختياري ومواصفاتي ..
عدت إلى البيت وأنا لا أستطيع أن اصف مشاعري .. وانشد .. محمولي .. يامحمولي .. أمي تضحك وأبي يبتسم .. وكأني طفلة صغيرة فرحت بعروستها ..
تمر الأيام وأنا في إنحدار .. أقولها بكل مرارة .. تغيرت حالتي المستقرة إلى حالة غير مرضية .. تلقيت التوجيهات الشيطانية من صديقات السوء بعد أن سهل الاتصال بهن .. عبر الانترنت وغرف الشات والماسنجر والمنتديات الحوارية التعيسة ..
وتمر الأيام وأنا في إنحدار شديد .. أضعت الصلاة .. أهملت والدي .. قطعت صلة الأرحام .. بقيت وحيدة غرفتي .. والدي لا يعلمان مابي .. لا يعلمان ماذا داخل هذا المحمول .. الذي غير حياتي إلى جحيم ..
بدأت أتضايق من حالي وبدأ ضميري يؤنبني على تقصيري في حق ربي وإهمال نفسي .. لقد بعت الثمين بلا ثمن .. تحدثت إلى ذئاب بشرية .. كانت تلاحقني وكنت أعجب بملاحقتهم لي.. كان هناك تنافس بيني وبين صديقاتي .. كم اكسب من ذئب يوميا؟؟ كانت قصصنا الشيطانية مع الذئاب هي مدار حديثنا ..
والحقيقة الغائبة : لم أفكر في نفسي .. كم صرت فريسة للذئاب ؟؟؟
وفي يوم من الأيام ألح علي والدي بان اذهب معهم لزيارة خالي .. ترددت كثيرا في قبول ذلك .. ولكن إلحاح والدي علي دفعني للاستسلام ..
دخلنا بيت خالي .. وأحسست برغبتي في العودة للبيت سريعا .. اشتقت لتلك الصديقات والتنافس معهن ..
لكن ما أن دخلنا إلا وقد استقبلنا خالي بالسلام والترحيب .. دخل الرجال مجلسهم وتوجهت مع أمي لمجلس النساء .. وهناك رحبت بنا زوجة خالي وابنتيها التي إحداهن مثل عمري ..
وبعد لحظات .. كعادتنا كفتيات .. هربنا من مجلس الكبيرات إلى غرفتهن الخاصة .. وهناك وجدت من أبحث عنها من زمن بعيد .. وجدت الصديقة الصادقة .. التي تمنيت أني كنت مثلها ..
ما أن دخلت غرفتهما إلا ورأيت سجادتهما على الأرض وقد وضعت في مكانا خاصا بها .. ومصحفهما .. وكتبا طيبة لم أرها من قبل في غرفتي .. زينت جدران غرفتهن باللوحات الوعظية .. كن في الدنيا كأنك غريب آو عابر سبيل .. السعادة في الآخرة ... جمالي في حجابي ..
فتحتا لي جهازهما المحمول .. وهن في فرحة أن ترياني ما لديهما .. وإذا بالتلاوات العطرة ، والقصائد المنشدة المؤثرة والتصاميم الرائعة .. والفلاشات الجميلة .. ومنتديات هادفة مأمونة ..
هنا دمعت عيني وبكيت كثيرا .. ولم أتمالك نفسي إلا أن ضممت بنت خالي وأنا ابكي بحرقة .. واردد استغفر الله .. استغفر الله ..
وهي تقول لي : ماذا بك يا اخيتي .. وهنا سكبت عبراتي وأحزاني وهمومي وأشجاني لأختين كنت ابحث عنهما .. وعرفت أني أخطأت في استخدام محمولي ..
محمولي يبعث النار والسموم في غرفتي .. ومحمول بنت خالي يبعث النور والطمأنينة في غرفتها ..
أقررت أني لم أحسن استخدامه كما ينبغي ... كنت أسمع بالتحذير من شيطان نت .. وعرفت كيف أن الدخول لتلك الغرف المظلمة والماسنجر .. لن ينتهي بسعادة نت .. بل شقاء وتعاسة نت ..
قمت وتوضأت وصليت ركعتين في مصلى بنت خالي .. ودعوت ربي أن يغفر لي ويقبل توبتي .. وطلبت من والدي أن يسمحا لي بأن أبقى أياما عندهما .. فرح والدي بذلك .. بعد أن رأيا وجهي وقد علاه الفرح .. ولم يترددا في قبول طلبي .. وقال : اجلسي كما تريدين .. فنحن نحب لك السعادة .. ويضيق صدرنا بعزلتك في غرفتك ..
عرفت كم أخطأت في حق والدي وفي نفسي .. وأحمد ربي أني عرفت الطريق قبل السقوط في الوحل .. وقبل أن تفترسني تلك الذئاب ..
وعزمت إن رجعت لبيتي أن أجدد حياتي مع محمولي ليشع نورا وطمأنينة مثل محمول بنت خالي ....